أَنْوَاع هَجْرُ الْقُرْآنِ

              

 

قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله : أَنْوَاع هَجْرُ الْقُرْآنِ :

أَحَدُهُما : هَجْرُ سَمَاعِهِ ، والإيمانِ بِهِ ، وَالإِصْغَاءِ إِلَيْهِ .

والثَّاني : هَجْرُ العَمَلِ بِهِ والوُقُوفِ عِندَ حَلالِهِ وَحَرَامِهِ ، وَإِنْ قَرَأَهُ وَآمَنَ بِهِ .
لا شَيْءَ مِثْلَ كَلامَ اللهِ تَحْفَظُهُ 

حِفْظًا قَوِيًّا وَتَعْمَلْ فِيهِ مُجْتَهِدا 

 وَالثَّالثْ : هَجْرُ تَحْكِيمِهِ وَالتَّحَاكُمْ إِلَيْهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَاعْتِقَادِ أَنَّهُ لا يُفِيدُ اليَقِينِ وَأَنَّ أَدَلَّتَهُ لَفْظِيةَ لا تُحَصِّلُ العِلمَ .

والرَّابِعْ : هَجْرُ الاسْتِشْفَاءِ وَالتَّدَاوِي بِهِ في جَمِيعِ أَمْرَاضِ القُلُوبِ وَأَدْوَائِهَا ، فَيَطْلُب شِفَاءَ دَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَهْجُرُ التَّدَاوِي بِهِ .

وَالْخَامِسُ : هَجْر تَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ .
وَكُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : ﴿
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ .

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمِدْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةْ :
أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلاً قَائِمًا بِيَدِهِ فَهْرٌ أَوْ صَخْرَةٌ فَيَشْدَخُ بِهَا رَأْسَهُ : فَيَتَدَهْدَهْ ، فَإِذَا ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ عَادَ رَأْسَهُ كَمَا كَانَ فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ لَهُ : رَجُلٌ أَتَاهُ اللهُ القُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بَاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَل بِهِ بِالنَّهَارْ ، فَهُوَ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إِلى يومِ القِيامَ .

وَفي حدِيثِ عَمْرو بن شُعَيْب مَرْفُوعًا : «
يُمَثَّلُ القُرآنُ يَومَ القِيَامَةِ رَجُلاً فَيُؤْتَى بالرَّجُلِ قَدْ حَمَلَهُ فَخَالَفَ أَمْرَهُ فَيَتَمَثَّلُ لَهُ خَصْمًا ، فَيقُولُ : يَا رَبْ ، حَمَّلْتَهُ إِيَّاي فَبِئْسَ حَامِلٌ تَعَدَّى حُدُودِي ، وَضَيَّعَ فَرَائِضِي ، وَرَكَبَ مَعْصِيَتِي وَتَرَكَ طَاعَتِي ، فَمَا يَزَالُ يَقْذِفُ عَلَيْهِ بالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالُ شَأنَكَ بِهِ فَيأخُذُ بِيَدِهِ فَمَا يُرْسِلَهُ حَتَّى يُكِبَّهُ على مِنْخِرِهِ في النَّارِ » . الحديث .

ثلاثَةُ أَسْفَارٍ هَنِيئًا لِمَنْ لَهَا
يُلازِمُهَا حِفْظًا وَدَرْسًا وَيَفْهَمُ
كِتَابَ إِلهِ الْخَلْقِ جَلَّ جَلالُهُ
كَذَاكَ البُخَارِي ثُمَّ يَتْلُوهُ مِسْلِمُ

وَعَنْ سَعْدِ بِنْ عُبَادَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُول الله : «
مَا مِنْ امْرِئِ يَقْرَأُ القرآن ثُمَّ يَنْسَاهُ إلا لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَجْذَمْ » . رواهُ أبو داود .

وَعَنْ أَبِي مَوْسىَ الأَشْعَرِي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ  أَنَّهُ قَالَ : «
تَعَاهَدُوا هَذَا القُرْآنْ - فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه - لَهُوْ أَشَدَّ تَفَلُّتًا مِنْ الإِبْلِ مِنْ عُقُلِهَا » . رَوَاهُ البخاري ، ومسلم . وَعَنْ ابن عُمَرَ - رَضِي اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رسولَ اللهِ  قَالَ : « إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإِبلِ الْمُعَلَّقَةْ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطَلْقَهَا ذَهَبَتْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ ابْنُ عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -
تَكَفَّلَ الله لِمَنْ قَرَأ القُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَنْ لا يَضِلَّ في الدُّنْيَا وَلا يَشْقَى في الآخرة ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالى : ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ . أ . هـ .



 

ليست هناك تعليقات :

صور المظاهر بواسطة fpm. يتم التشغيل بواسطة Blogger.